محمود العربي .. قصة ” شهبندر التجار” بدأت بـ 25 قرشاً
محمود العربي .. قصة ” شهبندر التجار” بدأت بـ 25 قرشاً
رغم صعوبة البدايات الا ان النهايات دائماً ما يحددها الطموح والعمل الجاد والسعي وراء التميز والانفراد، وهكذا بدأ بطل قصة اليوم فكتب حكايته بحروف من النجاح والطموح الغير محدود والعمل، أنه شهبندر التجار – كما اعتاد أن يُلقب- الذي اقتحم عالم التجارة بخمسة وعشرين قرشًا فقط، واستطاع بصبره وعمله الدؤوب ان يشيد قلعة صناعية كبرى بعيداً عن قروض البنوك، فاصبح من كبار رجال الاقتصاد في مصر.
منذ نعومة أظفاره أظهر محمود العربي ميلا كبيراً للتجارة فكان وهو طفل صغير يدخر القروش القليلة من مصروفه وعيديته، ويشتري بها ألعابا نارية وحلويات ويبيعها للأطفال أمام باب بيته في القرية، كان يكسب بضعة قروش بسيطة لا يصرفها، بل يجمعها ليشتري بها بضاعة جديدة يقوم ببيعها مرة أخرى وهكذا.. بدأت الحكاية.
نشأة متواضعة
ولد محمود العربى فى 15 أبريل 1932، فى قرية مصرية صغيرة تسمى «أبورقبة» بمحافظة المنوفية، كان والده فلاحاً أجيراً يزرع أراضي الغير مقابل المال، وعندما بلغ 3 سنوات التحق بالكُتاب لتعلم القرآن الكريم ومبادئ الحساب، ومنعته ظروف عائلته المادية من الالتحاق بالمدارس وإتمام تعليمه.
ونزل العربي إلى معترك الحياة وهو لم يتجاوز بعد سن الثانية عشر، فعمل بمتجر تجزئة لبيع الخردوات، وأمضى فيه أكثر من سبع سنوات من 1944 حتى 1952، الأمر الذي أكسبه خبرة مبكرة بعالم البيع والتجارة، وجعله مؤهلاً من ناحية أخرى، إلى الانتقال للعمل بمتجر لبيع الخردوات بالجملة عام 1952، استمر بالعمل فيه قرابة أربع سنوات أصقلت خبرته قبل أن يلتحق بالخدمة العسكرية عام 1956، ويقضي فيها أربع سنوات، ليعود بعدها إلى عمله في التجارة بالجملة.
طموح كبير
فكر العربي في أولى خطواته نحو استقلالية العمل بعد أن بلغ سن الرابعة والثلاثين، حيث أسس عام 1964 النواة الأولى لمجموعة شركات ومصانع العربي، وكانت مجرد شركة صغيرة تتاجر في الخردوات، تأسست في متجر صغير بشراكة بين ثلاثة أشقاء ولم يتجاوز رأس مالها أربعة آلاف جنيهاً مصرياً، نمت تجارته بشكل سريع وحقق ارباح عالية تعادل 10 متاجر مجتمعة.
وبعد عام واحد فقط من تأسيس الشركة الصغيرة، توسع نشاطه التجاري ليشمل تجارة لعب الأطفال والأدوات المدرسية، وأسس الأخوة الثلاثة متجراً آخر بمساحة أكبر في منطقة الموسكى، أحد أشهر المناطق التجارية في القاهرة وفى عام 1972، توسع النشاط التجارى، مرة أخرى، ليشمل تجارة الأجهزة الكهربائية، ويعود سر ذلك النجاح الذي ساعده في الحصول على شهرة واسعة أمانته واخلاصه في العمل، وكانت هذه هي البداية لصرح عملاق، تشكل لاحقاً تحت اسم “مجموعة شركات ومصانع العربي”.
توكيل توشيباً
ولأن الطموح لا يعرف حدوداً، سعت شركة العربي إلى توسيع نشاطها خارج مصر، فقد كان يتوق للحصول على توكيل يابانى خاص به، خاصة بعد الإقبال فى مصر على المنتجات اليابانية لتميزها بدقة الصناعة، وجودة الإنتاج، وطول العمر، وفي سبيل هذا الطموح رفض العربي عام 1974 عرضاً بالتعاون مع تاجر أردني كان وكيلاً لماركة «سانيو» فى منطقة الشرق الأوسط، لتسويق المنتجات اليابانية لكن من خلاله هو، ودون تواصل مباشر مع الشركة فى اليابان.
ويشاء القدر في نفس العام أن يتعرف العربي على يابانى كان مبعوثاً من شركة «توشيبا» لدراسة اللغة العربية، وأيضاً لدراسة السوق المصرية لبدء نشاط تجارى بين «توشيبا» وبين كيان تجارى يصلح ليكون وكيلاً لها. ونظراً لشهرة العربي وثقة التجار والعملاء فيه، وبما لديه من معرفة عميقة بخبايا الموسكى، وتواجد مكثف فى كل محافظات مصر، فكر مبعوث توشيبا أنه سيكون الوكيل الأصلح والأمثل لهم.
وقبل حصول العربي على توكيل «توشيبا»، وضع فى اختبار لمدة سنة، قام خلالها أخوة العربي بزيارات متكررة لتوشيبا فى اليابان أكسبتهم خبرات أخرى، أهمها -بالإضافة لخبرات التصنيع- خبرة خدمات ما بعد البيع، وكيف تكون من أهم أسباب ثقة العملاء فى منتجاتنا.
ونجح العربي في نيل ثقة شركة “توشيبا العالمية” حيث وجدت فيه ضالتها، وأصبحت الشريك الاستراتيجي والتاريخي لمجموعة العربي، ليكون من ذلك الحين فصاعداً الوكيل الوحيد والحصري لمنتجات توشيبا العالمية داخل القطر المصري. وبالفعل، دشنت الشركة مرحلة جديدة في تاريخها التجاري، حيث بدأت تعمل على تسويق منتجات توشيبا من الأجهزة الكهربائية في جميع أنحاء مصر.
وكعادتها مع وكلائها وموزعيها الناجحين حول العالم، دعت الشركة اليابانية العربي -بوصفه رئيس مجلس الإدارة- لزيارة اليابان فى نهاية عام 1975. حيث انبهر طوال مدة الزيارة بما يقومون به من صناعات عالية الجودة، وعاد من هذه الرحلة وهو يفكر في توسيع أعماله لتشمل الصناعة بجانب التجارة، وشركات تقوم على تسويق وبيع منتجات تلك الصناعات.
وطرح على توشيبا فكرة إقامة مصنع للمراوح الكهربائية، ولكن الشركة اعترضت بدورها، وعام 1976 عاد مجلس إدارة «توشيبا» وقرر الموافقة على إقامة المصنع، مشترطة أن يتم تصنيع 40% من المنتج فى مصر لمدة سنتين، وفى السنتين التاليتين تصل نسبة التصنيع المحلى إلى 75%، وبعد السنتين تصل إلى 95%وهكذا حتى تصل نسبة التصنيع المحلى 100% في السنة السابعة وبالطبع وافق العربي.
نقطة تحول صناعية
قضي العربي الفترة بين عام 1976 حتى 1979 في سعي مستمر للحصول على اشتراطات وترخيصات التصنيع من الجهات الحكومية المصرية، فقد كانت معقدة للغاية، أسس بعدها المصنع بشكل محترف بمساعدة خبراء توشيبا، وعلى مدار ثلاث سنوات كان كل شىء قد تم إعداده وتجهيزه وتنفيذه بعناية ودقة فائقة.
وبدأت نقطة التحول الحقيقية في مسيرة مجموعة العربي في عام 1982، تحديداً عندما دشن محمود العربي أول مصنع يحمل اسم “العربي” في بنها لتصنيع المراوح الكهربائية. من هنا، بدأت الشركة في مرحلة جديدة كلياً عنوانها العريض الصناعة ثم الصناعة، وفي نفس العام، افتتح العربي فرعاً جديداً للمبيعات في حي شبرا أحد أشهر الأحياء المصرية في القاهرة.
عام 1986، سافر إلى اليابان بصحبة عدد من المستشارين المتخصصين فى تصنيع التليفزيون، ليتفاوض مع اليابانيين للحصول على الموافقة لإنشاء مصنع التليفزيون، كانت اعتراضات الشركة كثيرة، وشكوك الخبراء المتخصصين أيضاً كبيرة، وكان التردد بين القناعة بفكرة وحماس العربي، وبين الخوف من العراقيل الضخمة -الحكومية والتنافسية- الصعبة ولكن إصرار العربي على المضى فى المشروع كان أكبر من أية اعتراضات.
وفي عام 1993، وضع حجر الأساس لمصنع التلفزيونات في مصنع العربي ببنها، بعد أن تم افتتاح مصنع التليفزيون ليعمل بكل طاقته عام 1995، توالت الإنشاءات لترسخ اتجاه التصنيع عاماً بعد عام، وتمسك محمود العربي بالاتجاه للصناعة رؤيةً واستراتيجيةً مهمة في مسيرته، ليتحول بذلك مصنع بنها إلى مجمع صناعي ضخم لتصنيع مختلف الأجهزة الكهربائية.
وفي عام 1998، أنشيء العربي مصنع الغسالات، وكان إنتاج الغسالات نصف الاوتوماتيكة بمختلف سعاتها باكورة الانتاج فيه، وبالفعل تحول مجمع بنها الصناعي إلى قلعة صناعية ضخمة تضم 10مصانع تمتد على مساحة 36 ألف متر مربع.
ولم يمض وقتاً طويلاً ففي عام 1999، بدأت المرحلة الصناعية الثانية في مسيرة شركة العربي بإنشاء مجمع قويسنا الصناعي الذي تبلغ مساحته أكثر من 320 ألف متر مربع تقريباً. صرح صناعي ثان، ويضم ما يقارب ثمانية مصانع عاملة، إضافة إلى مصنع سخان وثلاجات تم افتتاحه فى 2002، نال استحسان اليابانيين، وشهدوا له بالكفاءة التى تضاهى الإنتاج لديهم فى «توشيبا».
شارب على طريقة العربي
لم ينتهي طموح العربي عند هذا الحد فسعى ودرس السوق المصرية من أجل إنشاء مصنع تكييف «شارب»، لتصنيع أجهزة تكييف ذات جودة عالية، حيث أصبح الاقبال عليها كبيراً خاصة مع التوسعات الكبيرة فى المشروعات الاستثمارية السياحية والعقارية، والتى يعد جهاز التكييف فيها قاسماً مشتركاً، وتم افتتاح المصنع عام 2004، وبلغ إجمالى الاستثمارات فيه 140 مليون جنيه.
وبدأت الشركة تصدير أجهزة تكييف «شارب – العربى» بداية من عام 2008 إلى بعض الدول العربية، وبعض دول الكوميسا فى القارة الأفريقية بواسطة شركة شارب، ونال استحساناً ممتازاً من الجميع، وكان هذا النجاح افى تصنيع تكييف «شارب» دافعاً لزيادة التعاون بين مجموعة العربي وبين الشركة اليابانية العريقة.
وتمثل التعاون هذه المرة فى تصنيع ثلاجات «شارب» عام 2009، التى أثبتت نفسها ونجحت فى تحقيق حصة سوقية جيدة فى وقت قصير، وكما اعتاد العربي كان همه الأول أن تكون نسبة التصنيع المحلية فى هذا المنتج عالية، ليظهر خبرات المصريين العالية فى مجال تصنيع الثلاجات، ونجح فى إنشاء خطوط إنتاج تسمح بتصنيع 70% من مكونات الثلاجة محلياً.
وبرغم من بداية العربي الصعبة التي بدأ فيها من الصفر و بعامل واحد فقط الا أنه اليوم اصبح لديه 20 ألف عامل وهو ما كان يطمح اليه منذ البداية ومازال لديه الرغبة حتى الان في ان يزيد عدد العمال والموظفين لعله يساعد في القضاء على البطالة وتوفير عمل كريم لشباب بلده وهو في هذا لا يدخر جهده ويمنحهم مكافأت و حوافز ورواتب مجزية.
أرفع وسام ياباني
تفاجأ العربي بترشيحه لنيل وسام الشمس المشرقة خلال لقاءات عديدة جمعته بسفير اليابان بالقاهرة «كاؤرو إيشيكاوا»، الذى ربطت بينهم صداقة واحترام متبادل، فقد صرح للمقربين منه باستحقاق العربي الحصول على وسام الشمس المشرقة، وهو أعلى وسام يقدمه إمبراطور اليابان ” أكيهيتو ” سنوياً لعدد من الأشخاص على مستوى العالم، ممن عملوا على تعميق العلاقات بين بلادهم وبين اليابان.
وتم تكليف موظفين بالسفارة اليابانية لجمع كل البيانات المطلوبة لتقديمها لوزارة الخارجية اليابانية وللقصر الإمبراطورى، وشعر العربي وقتها بفرحة غامرة فهذا التكريم إنما هو جائزة تقديرية، جاءت لتتوج جهوده فى «العربى» مع الجانب الياباني.
وبالفعل حصل محمود العربي على الوسام الرفيع عام 2009 تقديرا لدوره في دعم وتحسين العلاقات الاقتصادية المصرية اليابانية، وقد قام بتسليمه الوسام هيروفومي ناكاسوني وزير الخارجية الياباني.